(رقم، وعلامة X باللون الأحمر) على واجهة مقبرة أو مدفن أومنطقة أثرية أو متحف، معناها انتهاء تستيف أوراق الهدم !! هدم أعمدة حاملة تاريخنا لبناء مستقبل!! هدم قانوني لأن الأثر ساقط قيد من سيستم الآثار!! أو معطل مسار التنمية!! علامة (X) يرسمها عامل خائف ليلا ويجري لاحساسه الشخصي بالعار، وهو نفس إحساس سائق البلدوزر، وكاسح رفات الآثار المهدومة، لأنهم مصريون.. أثق في إحساسهم بالخزي ورجفة إزعاج عظام الموتي، وإزالة بياعين زهور القرافة، وإرهاب أطفالهم العائشين على الصًدَقة وفطير الرحمة، وعزوة العيشة في مدافن المشاهير!
اليوم نضع نحن الشعب علامات xXx سوداء حول حكومة تهدم تاريخها بجسارة فاقت جرائم اسرائيل في لبنان وغزة!! نضع علامات XX كلما تُهنا، ضللنا طريقنا اليومي لكل مكان اعتدناه، حتى بيوتنا!! نضع XX بعرض غضبنا من غربة ثعابين أسمنتية تنفث تلوثا بصريا في العراء وأمراضا صدرية.. الطريق من وإلى مصر القديمة ثوب قديم، حرير فضفاض مرصع يتم ترقيعه أسمنتا، سيمزقه ويعرينا.. لافتات "محور الحضارات" تشير إلى مشروع انفصام الماضي عن المستقبل.. التحضر هو بإزالة عشوائيات عشش وورش واستعادة أرصفة، ابتكار حلول توسعة طرق تتفادى تراثا غزل نسيج هويتنا المصرية وبصم جنسيتنا!! ثقوا أن الجاراج الحديث متعدد الادوار سيحمل اسم جاراج "مدافن" السيدة عائشة، مخلدا جريمة إزالتها!! زال سحر غموض قلعة صلاح الدين بتعرية أحجارها، وتقليم خضارها، وتسويرها بمكعبات قبيحة التزوير لمقاه ومحلات، لها لزوجة شحاتين الأضرحة.
مصر القديمة اليوم هي مشروع تكوين سياحي صناعي رأسمالي ترفيهى، يبدل سكون التراث جنونا!! عناوين حلم تطوير تلال الفسطاط – 250 فدانا - هى : -"حديقة تطل على القلعة والهرم ومآذن القاهرة.. أنشطة ترفيهية وثقافية - حفلات غنائية وفنية وتجارية (!!) ومنطقة مغامرات!! سوق وفنادق ومسرح وبحيرة ومخيمات ومعسكرات ومقاهي.. لإحياء التراث المصري القديم عبر عصورنا، فرعونية وقبطية واسلامية.. وفشل خيالي في تصور شكل "حدائق تراثية حديثة"!!
الخوف ان يتم اعتقال ميراثنا التراثي الحي، في مدافن الكتبخانة مراجع للباحثين!! لأن كل أثر أو تراث أتم مئة عام دون ترخيص يٌزال للمنفعة العامة، مستقبل أحفادنا!! ويكفيه شرف توثيقه أثرا عالميا في اليونسكو!! نجا من كارثة الإزالة عام 2005 قصر البارون امبان البالغ 98 سنة يومها، لمنفعة استثمارى عربي كان نفسه في فندق، فأنقذه فاروق حسني وزير الثقافة بتسجيله
ومنذ ثلاث سنوات أعلنت محافظة القاهرة خطتها لتوسيع شبكة الطرق بالقاهرة من وسط البلد لشرق القاهرة مرورا بمصر القديمة.. وتتضمن إزالة نحو 2700 مقبرة بمنطقة مصر القديمة.. وبدأت بشائر التنفيذ منذ شهور بتوسعة طريق وتعويضات، ثم قرارات منع الدفن في السيدة نفيسة، وإزالتها.. وتوسعت أعمال حفر وتشييد كباري.. وصراخ الأثريين وكل من له صوت يدافع عن مقابر المشاهير.. وامتلأت مواقع التواصل بلقطات هدم آثار مستحيل تعويضها، حتى وصلنا إلى مقابر الامام الشافعي.. ظهر وزير ثقافتنا الجديد معلنا هدنة لدراسة حلين، نقل المدافن المهمة، أو تغيير مسار الطريق.. واختبأت البلدوزرات على الناصية!! لأن مقابر الامام عمرها 150 عاما ومسجلة أثرا في اليونسكو!! وتضم رفات عشرات الشخصيات التاريخية ، منها 15 مدفنا لأسرة محمد على.. وبعضها بها أحواش ولها قباب مزخرفة من الباطن بزخارف نباتية وهندسية وكتابية تسر خاطر الأحياء، تماثل الطراز التركي، وبعضها محمول على أعمدة حجرية صلبة.. باختصار المقابر قطع فنية مستحيل تقليدها في مقابر جديدة!! لأنها ضفيرة حضارات تغذي حاضرنا.
بعد تمام هدم قبة حليم باشا، انتفض شركاء الجريمة بالصمت!! تصدروا وليمة غسل الأيادى بالصفحة الأولي للمصري اليوم.. عضو مجلس نوابنا انبرى بطلب احاطة لمعرفة هدوها ليه!! كبير أثريين بوزارة السياحة والآثار قال، مش تبعنا ولا في دفاترنا، تبع التنسيق الحضاري!! أيدته عضوة لجنة الثقافة والآثار والاعلام بمجلس الشعب قائلة "المنطقة لم تسجل المنطقة كأثر باعتبارها جزءا من تاريخنا الاسلامي الممتد 800 عاما!! وألمحت بحذر لتجنب المساءلة "يوجد مطالبات بتعديلات بعض قوانين تسجيل الآثار، لكنها بتاخد وقت طويل لحين اقرارها "!! سار على النهج أستاذ تاريخ اسلامي فقط!! ألمح بحذر أن" القاهرة كانت المدينة الاسلامية الوحيدة المتكاملة التي حافظت على قيمتها وحجمها وتطورها لألف عام" !!
الأطراف المعنية بالمحاسبة غسلوا أياديهم ولم يجففوها!! عضو اللجنة لم تفصح أن المطالبات هي تعديل تسجيل الآثار لتكون تصاعدية، أي تبدأ بتوثيق التراث القبطي لمنحه حماية قانونية من الازالة!! وهذا قد يؤدى لحتمية إضافة التاريخ المسيحي لمناهج وزارة التعليم!!
أما أستاذ التاريخ الاسلامي الذي أٌحرج من تفسير "القاهرة الاسلامية متكاملة " فتجنب أيضا ذكر التراث المسيحي الذي يتكامل به تاريخ مصر!! من أديرة وكنائس ومقابر، متداخلة مع الألف مئذنة، والمعابد اليهودية!! هؤلاء المتنصلون استفزوا الوطنيين، فبدأ تسريب وثيقة تقسيم الآثار والتراث مابين وزارتي الثقافة وهيئة التنسيق الحضاري.. ووثيقة الأمم المتحدة الموقعة مابين مصر واليونسكو عام 1972، وتفيد ان القاهرة التاريخية مسجلة على قائمتها تراثا ثقافيا عالميا يجب الحفاظ عليه بدءا من 1979.. شاملا اعمال النحت، التصويرعلى المبان، مجموعات العمارات ذات التناسق المعمارى.. المسلات، الأهرامات، معابد الفراعنة، الكنيسة المعلقة، مقابر القاهرة التاريخية، محطة قطار كفر الشيخ، المتاحف، مطرانية ملوى(!!) وأن مقابر الإمام الشافعي مسجلة لعدم إزالة!!
مأزق وثيقة اليونسكو يحتاج حريف أزمات.. من يكون!! ظهر وزير الثقافة الجديد معلنا وقف الهدم لحين إما نقل الآثار التي تعوق مسار التطوير، أو تجنبها.. تاركا البلدوزرات على الناصية!!
لا نرجو من هيئة التنسيق الحضاري والكرة في ملعبها إلا تعديل الهدف من استثماري إلى وطني.. شوارعنا تنفست بالتوسعة، لكن طوفان محلات تحت الكباري خنقها وشوه جمالها وأعمانا، حجب رؤية الطرف المقابل لنفس الشارع واحتل بواقي الميادين بوقاحة وغباء!
ونطالب وزير التعليم بضم تاريخ المسيحية لمناهج التعليم!! لأن ربما يكون حرق مصلين داخل الكنائس وقتل رهبان في أديرة سببه الجهل بالآخر.. صحيح جيشنا أعاد بناءها لكن بالرخام.. متفقين بالتأكيد أن الأولوية هي لضبط إيقاع تعليم وثقافة تحمي المصرين من اعصار إلحاد يتقدم!! وعندي سؤال، هل تجريف الذاكرة خيانة عظمى!!
---------------------------------
بقلم: منى ثابت